معصومة أحمد ابراهيم : فنلندا.. سياسة قليلة وتعليم كثير! (1 – 2)

كثير منا يعرفون أن هناك بلدا صغيرا في أقصى شمال العالم اسمه فنلندا، هذا البلد الذي – من فرط هدوئه، وتجنبه الانخراط في سياسة العالم المعقدة – لا نكاد نسمع اسمه في نشرات الأخبار، ولا على صفحات الجرائد… ومع ذلك ليست هناك موسوعة علمية عن التعليم أو النهضة التعليمية أو تطوير النظام التعليمي إلا ويتصدرها اسم هذا البلد الإسكندنافي الوادع!
دولة فنلندا، وعاصمتها هلسنكي، لم تشغل نفسها كثيرا بالسياسات المتصارعة والمتصادمة في عالمنا، بل صارت تستثمر في الإنسان، وتتفنن في كيفية الوصول به إلى ذروة الرفاهية، ليس بتوفير الاحتياجات الاقتصادية فقط لسكانها الذين يقاربون الستة ملايين، بل أيضا إتاحة كل السبل أمامهم للتمتع بأعلى خدمات تعليمية وصحية، إلى حد أنها تتبوأ صدارة الدول الأكثر استقرارا ورفاهية وخدمة لمواطنيها.. ومع أن هذا البلد ربما تأخر كثيرا عن أقرانه الأوروبيين في دخول عصر التصنيع، فإنه صار الآن ينافس على أماكن الصدارة في التنمية بكل طيفها وتعدد مجالاتها.
والتعليم في فنلندا، يعد أحد أفضل الأنظمة التعليمية في العالم على الإطلاق، ليس لأنه مجاني تماما فقط، ومتاح لكل تلميذ وجبة طعام متكاملة ومجانية كذلك، بل أيضا لأنه نظام تعليمي يستوعب كل مراحل الإنسان الفنلندي منذ سن الرضاعة وحتى الدراسات العليا، مرورا بسن ما قبل المدرسة، فالتعليم الأساسي الممتد على مدى تسعة أعوام من السابعة حتى السادسة عشر، ليصبح الطالب حينئذٍ على مفترق طريقين إما التعليم العلمي أو الفني (المهني)، وينقسم التعليم الجامعي في فنلندا إلى جامعات علمية وأخرى تطبيقية، كما تولي الدولة عناية كبيرة وجادة لتعليم الكبار، إيماناً بأن التعليم ظاهرة استمرارية، وتلقي هذه الاستمرارية بآثار إيجابية ومثمرة على مجالات كثيرة في المجتمع.
وعلى الرغم من أن نظام التعليم الفنلندي ليس معجزة في فحواه ومضمونه، فإن الإعجاز يتأتى في شموله والصرامة في تنفيذه، وإتاحته لكل الشرائح المستهدفة بمسطرة واحدة مراعاة لمبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع، وبالإضافة إلى كل ذلك الحرص الشديد والدؤوب على تواصل هذا النظام بلا توقف أو إعاقة.
وأولى الخطوات التي تحرص فنلندا على تنفيذها هي تسهيل وصول الخدمة التعليمية إلى الطلاب، بالتوسع في نشر المدارس في كل المناطق، وفي ما يتعلق بالمناطق النائية التي لا يكون من الترشيد الاقتصادي أن يُبنَى فيها مزيد من المدارس، توفر وزارة التعليم وسائل نقل جيدة ومنتظمة ومجانية ضمانا لوصول التلاميذ إلى مدارسهم في المواعيد المحددة، وبغير مشقة.
فنلندا، تلك الدولة الرابضة عند سقف العالم، حازت في عام 2015 صدارة العالم في الخدمة التعليمية، وهو نجاح من الصعب تحقيقه وسط تنافسية دولية تخوضها دول متقدمة تعليميا كاليابان وكوريا الجنوبية وهونغ كونغ وسنغافورة والسويد والنرويج، وغيرها من بلاد العالم المتقدمة تعليمياً.
أما كيف حققت فنلندا هذه النهضة التعليمية، فهذا ما سنتحدث بشأنه في المقالة المقبلة.

نقلا عن صحيفة القبس الكويتية

اترك تعليقاً